سياسية

لماذا لا يستطيع دونالد ترامب إستعادة قناة بنما، الا من خلال الغزو العسكري!

أعلن الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت، في بدايات القرن العشرين، أن قناة بنما واحدة من المآثر التي سينظر إليها شعب هذه الجمهورية بفخر واعتزاز، وبعد أكثر من مئة سنة من ذلك، يُهدد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب باستعادة هذا الممر المائي لصالح نفس الجمهورية (الولايات المتحدة)!

أدان الرئيس المُنتخب دونالد ترامب الرسوم المُتزايدة التي فرضتها بنما لاستخدام الممر المائي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، حيث يقول دونالد ترامب بإنه إذا لم تتغير هذه الأشياء، ويقصد الرسوم، بعد توليه منصبه الشهر المقبل، فسوف يطالب بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة الأميركية، بالكامل، وبسرعة ودون أدنى شك!

أشار دونالد ترمب يوم الأحد إلى أن إدارته الجديدة (قد تحاول) استعادة السيطرة على قناة بنما التي تنازلت عنها الولايات المتحدة بغباء لحليفتها في أميركا الوسطى، مُدعيا أن شركات الشحن تفرض رسوما كبيرة للمرور عبر قناة النقل الحيوية التي تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ.

لطالما هدد دونالد ترامب حلفاءه باتخاذ إجراءات عقابية على أمل الفوز بتنازلات منهم، ولكن الخبراء في هذا الشأن واضحون: ما لم يشن الرئيس حربًا على بنما، فلن يتمكن من إعادة تأكيد سيطرته على القناة، والتي وافقت على التنازل عنها في سبعينيات القرن العشرين، نفس الجمهورية (الولايات المتحدة)!

panama5
صورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

ما هي قناة بنما؟

هي عبارة عن ممر مائي من صنع الإنسان يُستخدم سلسلة من البوابات والخزانات تمتد على مسافة 51 ميلاً (82 كيلومترًا) لتربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ، حيث توفر للسفن قطع مسافة إضافية تبلغ حوالي 7,000 ميل (أكثر من 11,000 كيلومتر) للإبحار عند الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية، للوصول لهدفها المنشود في التجارة.

تقول إدارة التجارة الدولية الأمريكية، إن القناة توفر للمصالح التجارية الأمريكية وقتًا وتكاليف وقود كبيرة، وتمكن من تسليم البضائع بشكل أسرع، وهو أمر مهم بشكل خاص للشحنات الحساسة للوقت والسلع القابلة للتلف والصناعات ذات سلاسل التوريد في الوقت المناسب.

من الذي بنى هذه القناة؟

في عام 1880، بدأت الجهود الرامية إلى إنشاء قناة عبر بنما بقيادة (فرديناند دي ليسبس Ferdinand de Lesseps)، الذي بنى قناة السويس في مصر، ولكن هذه الجهود لم تتقدم إلا قليلاً لمدة تسع سنوات قبل الإفلاس.

panama3
صورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

مشاكل تضمنت انتشار مرض الملاريا والحمى الصفراء والأمراض الاستوائية الأخرى، أثرت على القوى العاملة، إضافة للتضاريس الخطيرة بشكل خاص وظروف عمل قاسية في الغابات، مما أدى في النهاية إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وفقًا لبعض التقديرات.

كانت بنما آنذاك مقاطعة تابعة لكولومبيا، التي رفضت التصديق على معاهدة لاحقة عام 1901 ترخص للمصالح الأمريكية ببناء القناة، رد الرئيس الأمريكي ثيودر روزفلت بإرسال سفن حربية أمريكية إلى سواحل بنما من كلا الجانبين، الاطلسي والهادي، كما وضعت الولايات المتحدة دستورًا جاهزًا بعد استقلال بنما، مما أعطى القوات الأمريكية الحق في التدخل في أي جزء من بنما، لإعادة إرساء السلام العام والنظام الدستوري.

panama9

في تشرين الثاني/نوفمبر 1903، أعلنت بنما استقلالها بدون مشاكل تذكر عن كولومبيا، وذلك جزئياً، لأن القوات الكولومبية لم تتمكن من عبور الغابات القاسية للتصدي لهذا الإستقلال، حيث سرعان ما وقعت على مُعاهدة تسمح لفريق بقيادة الولايات المتحدة ببدء البناء.

وفقاً لإحدى الدراسات، توفي نحو 5,600 عامل في وقت لاحق أثناء مشروع البناء الذي قادته الولايات المتحدة.

panama4
صورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

لماذا لم تعد الولايات المتحدة تسيطر على القناة بعد الآن؟

أُفتُتح الممر المائي في عام 1914، ولكن على الفور تقريباً بدأ بعض البنميين يشككون في صحة سيطرة الولايات المتحدة، مما أدى إلى ما أصبح معروفاً في البلاد باسم “الصراع الجيلي” للسيطرة عليا من قبلهم (إستعادتها)

ألغت الولايات المتحدة حقها في التدخل في بنما في ثلاثينيات القرن العشرين، وبحلول سبعينيات القرن العشرين، ومع ارتفاع تكاليفها الإدارية بشكل حاد، أمضت الولايات المتحدة سنوات في التفاوض مع بنما للتنازل عن السيطرة على الممر المائي.

panama1
صورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

عملت إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر مع حكومة عمر توريخوس Omar Torrijos، وفي نهاية المطاف قرر الجانبان أن أفضل فرصة لهما للتصديق كانت تقديم معاهدتين إلى مجلس الشيوخ الأميركي، معاهدة الحياد الدائم و معاهدة قناة بنما.

المعاهدة الأولى، التي تستمر إلى الأبد، تمنح الولايات المتحدة الحق في التصرف لضمان بقاء القناة مفتوحة وآمنة.

أما المعاهدة الثانية فقد نصت على أن الولايات المتحدة ستسلم القناة إلى بنما في 31 ديسمبر/كانون الأول 1999، ثم ألغيت في ذلك الوقت.

وقد تم التوقيع على المعاهدتين في عام 1977 وتم التصديق عليهما في العام التالي، وصمدت الاتفاقيتان حتى بعد عام 1989، عندما غزا الرئيس جورج بوش الأب بنما لإزاحة الزعيم البنمي مانويل نورييغا.

في أواخر سبعينيات القرن العشرين، وبينما كانت معاهدات التسليم قيد المناقشة والتصديق، وجدت استطلاعات الرأي أن نحو نصف الأميركيين عارضوا قرار التنازل عن السيطرة على القناة لبنما، ولكن بحلول الوقت الذي تغيرت فيه الملكية فعلياً في عام 1999، كان الرأي العام قد تحول، حيث أصبح حوالي نصف الأميركيين يؤيدون التغيير.

كانت إدارة القناة أكثر كفاءة في عهد بنما مقارنة بعهد الولايات المتحدة، حيث زادت حركة المرور بنسبة 17٪ بين السنوات المالية 1999 و 2004.

وافق الناخبون في بنما على استفتاء عام 2006 الذي سمح بتوسيع كبير للقناة لاستيعاب سفن الشحن الحديثة الأكبر حجمًا، و استغرق التوسع حتى عام 2016 وكلف أكثر من 5.2 مليار دولار.

panama2
صورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

قال الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو في مقطع فيديو يوم الأحد، ردا على حديث الرئيس المنتخب دونالد ترامب، أن كل متر مربع من القناة ينتمي إلى بنما وسيستمر في ذلك، و أنه في حين أن شعب بلاده منقسم بشأن بعض القضايا الرئيسية، عندما يتعلق الأمر بقناتنا وسيادتنا، فسوف نتحد جميعًا تحت علمنا البنمي!

ارتفعت أسعار الشحن بسبب الجفاف في العام الماضي الذي أثر على بوابات القناة، مما أجبر بنما على خفض حركة الشحن عبر القناة بشكل كبير ورفع الأسعار لاستخدامها، و على الرغم من عودة الأمطار لمليء البحيرة والمناسيب بالماء، في الغالب، تقول بنما إن زيادات الرسوم المستقبلية قد تكون ضرورية مع قيامها بتحسينات لاستيعاب احتياجات الشحن الحديثة.

وقال الرئيس البنمي، إن الرسوم المفروضة على إستخدام القناة لا يتم تحديدها على المزاج!

قال خورخي لويس كيخانو Jorge Luis Quijano، الذي شغل منصب مدير الممر المائي من عام 2014 إلى عام 2019، إن جميع مُستخدمي القناة يخضعون لنفس الرسوم، على الرغم من أنها تختلف حسب حجم السفينة وعوامل أخرى.

وقال: يمكنني أن أقبل أن عملاء القناة قد يشكون من أي زيادة في الأسعار، و لكن هذا لا يعطيهم سببًا للتفكير في الإستيلاء عليها!

لماذا أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأمر؟

يقول الرئيس المُنتخب، إن الولايات المتحدة يتم خداعها و لن أقبل ذلك!

وقال عن معاهدة عام 1977 التي قال إنها أعطت القناة بغباء:

لقد تم منحها لبنما ولشعب بنما، لكنها تحتوي على أحكام – يجب أن تعاملنا بشكل عادل، ولم يعاملونا بشكل عادل!

مُعاهدة الحياد تمنح الولايات المتحدة الحق في التصرف إذا تعرض تشغيل القناة للتهديد بسبب صراع عسكري ــ ولكن ليس إعادة تأكيد السيطرة عليها.

قال خورخي لويس كيخانو:

“لا يوجد أي بند من أي نوع في اتفاقية الحياد يسمح باستعادة القناة، ومن الناحية القانونية، لا توجد وسيلة، في ظل الظروف العادية، لاستعادة الأراضي التي استخدمت من قبل”.

وفي الوقت نفسه، لم يذكر دونالد ترامب كيف قد ينفذ تهديده.

قال بنيامين غيدان Benjamin Gedan، مدير برنامج أميركا اللاتينية في مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء في واشنطن:

“لا يوجد مجال كبير للمناورة، في غياب غزو أميركي ثان لبنما، لاستعادة السيطرة على قناة بنما من الناحية العملية”.

وقال، إن موقف دونالد ترامب محير بشكل خاص بالنظر إلى أن الرئيس البنمي، محافظ، مؤيد للأعمال التجارية، و قدم الكثير من المبادرات الأخرى لإظهار أنه يفضل علاقة خاصة مع الولايات المتحدة!

كما أشار إلى أن بنما في السنوات الأخيرة أصبحت أقرب إلى الصين، مما يعني أن الولايات المتحدة لديها أسباب استراتيجية للحفاظ على علاقاتها الودية مع الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى.

بنما هي أيضًا شريكة للولايات المتحدة في وقف الهجرة غير الشرعية من أمريكا الجنوبية – ربما تكون أكبر أولوية سياسية لدونالد ترامب!

قال بنيامين غيدان:

“إذا كنت ستختار القتال مع بنما بشأن قضية ما، فلن تجد قضية أسوأ من القناة”.

(نقلا عن تقرير لوكالة الأسوشييتد برس AP)

للإستماع للمقال

أقرأ المزيد

المقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

عذراً، لايمكن نسخ المحتويات